
حرم الله مكة لدعاء خليله إبراهيم عليه السلام، وحرم المدينة لدعاء حبيبه المصطفى فبارك أرضها وأذهب عنها الحمى، وبارك ثمارها وشرف أهلها وذريتاتهم، وخصها ومكة بأن يمنع الدجال من دخولهما، كما أن لها كل ما للحرم المكي من أحكام: فلا بنفر صيدها ولا يختلى خلاها ولا تلتقط لقطتها، علاوة على دعاء الرسول لأهلها وجعل حبهم علامة على البراءة من النفاق .. وما من تكريم أعظم من تشريف ترابها بالجسد الشريف، ومن بعده صاحباه وباقي صحابة الرسول وأمهات المؤمنين وآل بيته الأطهار، وفيها يدفن نبي الله عيسى آخر الزمان، وبها بقعة هي روضة من رياض الجنة، وقد شهد الرسول لمن سكنها وصلى بمسجده أربعين فرضا بالبراءة من النار ومن النفاق ..
وتهف إليها قلوب المشتاقين ، فلا تخلو الروضة من المسلمين والمبلغين، ولا تخلو أجواؤها من الملتمسين أنفاس الأحباب، ولا تخلو طرقاتها وأسواقها من طالبي البركة في الرزق، ولا تخلو أرجاؤها من موضع وطئه الحبيب أو صلى فيه، فما أطيب العيش في مدينة الحبيب، وما من نعمة تعدو الموت بأرضها، فصدق رسول الله حين قال”من استطاع منكم أن يموت بالمدينة فليمت بها، فإني أشفع لمن يموت بها”

مكة.. بيت الله الحرام.. فيها أول بيت وضع للناس في الأرض ليكون مثاية (أي ملجأ ومرجعا) يترددون عليه مرة بعد مرة مع دوام الشوق إليه، وأمنا (أي يلوذون به احتماء)، ولذلك حفه الله بنفحات وبركات، وألقى عليه المهابة والتعظيم في قلوب الخلق، وخصه وما حوله من بقاع بأحكام مخصوصة؛ فلا ينفر صيده ولا يختلى خلاه ولا تلتقط لقطته، فكل المخلوقات تأمن فيه..
كما زاده الله تكريما إذ حفه بالآيات البينات: كمقام إبراهيم والحجر الأسود وبئر زمزم، فكل منها له خصوصية وإعجاز ومقام مقدر: باستجابة الدعاء عنده، والشهادة لمن سلم عليه، والبركة والشفاء لمن شرب منه، وما إلى ذلك من خصائص وبركات…
كما جعل الله البيت الحرام في قلب كل المسلمين مهما تفرقوا في أنحاء الأرض، حين جعله قبلة لنا أحياء في الصلاة والدعاء والذبح، وبعد موتنا في القبور ..
وما من عبادة أجل عند الله من الطواف بالبيت، فهو كالصلاة علاوة على متعة النظر إلى الكعبة، فلا يحرم أحد حولها، فعندها تتنزل مائة رحمة: خمسون للطائفين، وثلاثون للمصلين، وعشرون للناظرين، فهنيئا للطائفين…